فصل: الجملة الرابعة في مكاتبة ملك المسلمين بالأندلس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الجملة الرابعة في مكاتبة ملك المسلمين بالأندلس:

وهو صاحب غرناطة، وقلعتها تسمى حمراء غرناطة. وقد تقدم في المقالة الثانية في المسالك والممالك ذكر هذه المملكة وأحوالها، ومن ملكها جاهلية وإسلاماً، وأنها الآن بيد بني الأحمر. وقد ذكر في التعريف: أنهم من ولد قيس ابن سعد بن عبادة سيد الخزرج الأنصاري: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهي منهم الآن بيد السلطان محمد بن يوسف بن محمد المخلوع ابن يوسف بن إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر؛ وقد أذل الله من يجاوره من نصارى الفرنج بسيفه، وامتنع في أيامه ما كان يؤديه من قبله من أواخر ملوك الأندلس إلى ملك الفرنج من إتاوة في كل سنة، لاستقبال سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة وإلى آخر وقت.
وقد ذكر في التعريف: أن سلطانها كان في زمانه في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون أبا الفضل يوسف؛ ولعله يوسف بن إسماعيل المقدم ذكره. قال: وهو شاب فاضل له يد في الموشحات. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف بعد البسملة أما بعد بخطبة مختصرة، فهذه المفاوضة إلى الحضرة العلية، السنية، السرية، العالمية، العادلية، المجاهدية، المؤيدية، المرابطية، المثاغرية، المظفرية، المنصورية، بقية شجرة الفخار، وخالصة سلف الأنصار، المجاهد عن الدين، والذاب عن حوزة المسلمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، خلاصة الخلافة المعظمة، أثير الإمامة المكرمة، ظهير أمير المؤمنين، أبي فلان فلان.
وهذا صدر لهذه المكاتبة في التعريف وهو: صدرت هذه المكاتبة إليه متكلفة بالنصر على بعد الدار مجردة النصل إلا أنه الذي لا يؤخره البدار؛ مسعدة بالهمم ولولا الاشتغال بجهاد أعداء الله فيمن قرب لما تقدمت سرعان الخيل، ولا أقبلت إلا وفي أوائل طلائعها للأعداء الويل؛ ولا كتبت إلا والعجاج يترب السطور، والفجاج تقذف ما فيها على ظهور الصواهل إلى بطون البحور. مبدية ذكر ما عندنا بسببها لمجاورة الكفار، ومحاورة السيوف التي لا تمل من النفار؛ مع العلم بما لها في ذلك من فضيلة الجهاد، ومزية الجلد على طول الجلاد، ومصابرة السهر لأقوات منيمه، ومكاثرة هذا العدو بالصبر ليكون لها غنيمة، ونحن على إمداها- أيدها الله- بالنصر وبالدعاء الذي هو أخف إليها من العساكر، وأخفى مسيراً إذا قدر حقه الشاكر؛ ثقة بأن الله سينصر حزبه الغالب، ويكف عدوه المغالب، ويصل بإمداد الملائكة لجنده، ويأتي بالفتح أو بأمر من عنده، لتجري ألطافه على ما عودت، ويؤخذ الأعداء بالجريرة، ولينصرن الله من ينصره وينظر إلى أهل هذه الجزيرة.
والذي ذكره في التثقيف: أن رسم المكاتبة إليه مثل صاحب تونس القطع والخطابة، والاختتام، والعالمة، والتعريف: صاحب حمراء غرناطة.
وهذه نسخة جواب إلى صاحب حمراء غرناطة. وقد ورد كتابه في ورق أحمر يتضمن قيامه بأمر الجهاد في الكفار، وما حصل من استيلاء بعض أقاربه على ملكه ونزعه منه، وأنه استظهر بعد ذلك على المذكور وقتله، وعاد إلى ملكه على عادته. في جمادى الأولى سنة خمس وستين وسبعمائة، وهي: نخص الحضرة العلية، حضرة الأمير فلان، وألقابه، جعل الله له النصر أين سار قرينا، والظفر والاستظهار مصاحباً وخدينا، وزاد في محله الأسنى تمكيناً وتأمينا، ومنح أفقه الغربي من أسرة وجهه المتلألئ الإشراق، ومهابة بطشه الذي يورد العدا موارد الردى بالاتفاق، تحسيناً وتحصينا- بإهداء السلام الذي يتأرج عرفا، ويتبلج وصفا، ويكاد يمازح النسيم لطفا- وإبداء الشكر الذي جلله ملابس الإكرام وأضفى، وأجمل منه نفاس عقد المودة التي أظهرها فلم تكن تخفى.
ثم بعد حمد الله مؤكد أسباب علاه، ومؤيد موجبات نصره وما النصر إلا من عند الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله الذي أمده بملائكته المقربين، ونصره بالرعب مسيرة شهر كما ورد بالنص والتعيين، ورفع باسمه أولية المؤمنين الموحدين، وقمع ببأسه ثائرة البغاة والمتمردين، وعلى آله وصحبه الذين لازموا التمسك بأسباب الدين، وجاهدوا في إقامة منار الإسلام لما علموا مقدار أجرهم علم اليقين، صلاة متوالية متواترة على ممر الأحقاب والسنين؛ فإنا نوضح لعلمه الكريم أن كتابه ورد علينا مشتملاً على المحاسن الغراء، مغرباً بل معرباً لنا بحمرة لونه أن نسبته إلى الحمراء، مشبهاً ورد الخدود والنقس فيه كالخل، أو شقائق النعمان كما بدا روضه غب السحاب المتوال. فوقفنا على مضمونه جميعه، وتلمحنا بديع معانيه من جميل توشيعه وترصيعه، وعلمنا ما شرحه فيه: من استمراره على عادة سلفه في القيام بأمر الجهاد، وقطع دابر الكفرة ذوي الشقاق والعناد، وتوطيد ما لديه من تلك البالد، وتطمين ما بها من العباد، وما اتفق من قريبه في الصورة لا في المعنى، وكيف أساء إليه فعلاً وقد أحسن به ظناً، وأنه رصد الغفلة من جنابه، وأقدم على ما أقدم عليه من اقتراف البغي والتمسك بأسبابه، ولم يزل يراعي غيبة الرقيب وهجوع السامر، إلى أن تمكن من الاستيلاء على ذلك الملك الذي ظن أن أمره إليه صائر؛ لكنه مع كونه قد اقتحم في فعلته هذه الأهوال، وتوهم أنه قد حصل بمكره على بلوغ بعض الآمال، فإنه ما سلم والله الحمد والمنة حتى ودع، ولا أقبل سحاب استيلائه حتى أقشع، بما قدره الله تعالى لحضرة الأمير من نصرته، وعوده إلى محل أمره وإمرته. وأنه آثر اطلاع علومنا الشريفة على هذه الواقعة، لما يعلم من تأكيد المودة التي غدت حمائمها على أفنان المحبة ساجعة؛ وقد علمنا هذا الأمر، وشكرنا جميل محبته التي لم ينسج على منأولها زيد ولا عمرو، وابتهجنا بما يسره الله تعالى له من ذلك، وانتهزنا فرص السرور بما منحه الله من ظفره المتقارب المتدارك، وحمدنا الله تعالى على تأييد هذه العصابة الإسلامية، وما من بن من عود شمس هذا الأفق الغربي إلى مطالعها السنية؛ ولا جرم أن كانت له النصرة، والاستيلاء والقدرة: لأن الله تعالى قد تكفل سبحانه لأوليائه بمزيد التكريم والتعزيز؛ إذ قال عز وجل: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لقوي عزيز}.
وأما غير ذلك، فقد وصل رسول الحضرة العلية إلينا وتمثل بمواقفنا المعظمة، ومحال مملكتنا المكرمة؛ وأقبلنا عليه، وضاعفنا الإحسان إليه، وأدى إلينا ما تحمله من المشافهة الكريمة، ورسائل المحبة والمودة القديمة؛ فرسمنا بإجابة قصده، وتوفير بره ورفده، وقضاء شغله الذي حضر فيه، وتسهيل مآربه بمزيد التنويل والتنويه، ومسامحة الحضرة العلية بما يتعين على ما قيمته ألفا دينار مصرية حسب ما عينه رسوله المذكور، ولو كان سألنا أضعاف ذلك لأجبنا سؤاله من غير ترو ولا فتور. وقد جهزنا إليه صحبته ما أنعمت به صدقاتنا الشريفة عليه من الدرياق ودهن البلسان، فليتحقق ما له عندنا من المكانة والمحل الرفيع الشان؛ وقد أعدنا رسوله المذكور إلى جهته الكريمة بهذا الجواب الشريف، محترماً مكرماً مشمولاً من إحساننا بالتليد والطريف؛ فيحيط علماً بذلك والله تعالى يمده بمزيد التأييد، ويمنحه من جميل الإقبال، وجزيل النوال، ما يربي على الأمل ويزيد.

.المقصد الثالث في المكاتبة إلى أهل الجانب الجنوبي ممن جرت العادة بالمكاتبة إليه من العرب والسودان:

وفيه ثلاث جمل:
الجملة الأولى في المكاتبة إلى من بهذا الجانب من العربان:
وقد ذكر في التثقيف ممن كوتب منهم جماعة بالطرقات الموصلة من الديار المصرية إلى بلاد الحبشة وغيرها، ثم قال: ولعل هؤلاء أيضاً من عربان الممالك المحروسة، غير أنه لا إقطاعات لهم، وعد منهم ثمانية أشخاص، وذكر أنه كتب إلى كل منهم الاسم والمجلس الأمير: الأول: سمرة بن كامل العامري الثاني: عابد بن قاسم الثالث: كمال بن سوار. قال: وهو مستحدث المكتبة في العشر الأول من جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة.
الرابع: جنيد: شيخ الجوابرة من الهكارية بأبواب النوبة. قال: وهو مستحدث المكتبة في سنة تسع وستين وسبعمائة.
الخامس: شريف شيخ النمانمة، بأبواب النوبة أيضاً، ومكتبته مستجدة حينئذ.
السادس: علي شيخ دغيم.
السابع: زامل الثاني.
الثامن: أبو مهنا العمراني.
الجملة الثانية في المكاتبة إلى مسلمي ملوك السودان:
وهم أربعة ملوك:
الأول: ملك النوبة. وهو صاحب مدينة دنقلة، وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في الكلام على المقالة الثانية في المسالك والممالك. قال في التعريف: وهو رعية من رعايا صاحب مصر، وعليه حمل مقرر، يقوم به في كل سنة، ويخطب ببلاده لخليفة العصر وصاحب مصر.
قلت: هذا كان في الدولة الناصرية، محمد بن قلاوون وهذه الإتاوة كانت مقررة عليهم من زمن الفتح، في إمارة عمرو بن العاص رضي الله عنه، ثم صارت تنقطع تارة وتحمل أخرى، بحسب الطاعة والعصيان. وهي الآن مملكة مستقلة بذاتها، ولذلك أوردت مكاتبة صاحبها في جملة الملوك.
ورسم المكاتبة إليه إن كان مسلماً على ما ذكره في التعريف: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الجليل الكبير الغازي المجاهد المؤيد الأوحد العضد مجد الإسلام زين الأنام فخر المجاهدين عمدة الملوك والسلاطين.
وذكر ذلك في التثقيف نقلاً عنه، ثم قال: ولم أجد له مكاتبة متداولة بين الجماعة. قال: ولم يكتب له شيء في مدة مباشرتي بديوان الإنشاء، ولم يزد على ذلك. من أول السطر ورأيت في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله أن مكاتبته هذه المكاتبة أيضاً، وأنه يقال بعد عمدة الملوك والسلاطين: أدام الله سعادته، وبلغه في الدارين إرادته، تتضمن إعلامه كيت وكيت، فيتقدم بكذا وكذا، فيحيط عمله بذلك. ثم قال: والمكاتبة إليه في قطع العادة والعلامة أخوه ولا يخفى أن العنوان بالألقاب، ويظهر أن التعريف صاحب دنقلة.
الثاني: ملك البرنو. قال في التعريف: وبلاده تحد بلاد ملك التكرور من الشرق، ثم يكون حدها من الشمال بلاد صاحب أفريقية، ومن الجنوب الهمج. وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في المقالة الثانية من الكلام على المسالك والممالك. ولم يذكر هذه المملكة في مسالك الأبصار. قلت: وملكها يزعم أنه من ذرية سيف بن ذي يزن ملك اليمن على ما ورد به كتابه في أواخر المائة السابعة.
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكر في التعريف: أدام الله تعالى نصر الجانب الكريم العالي الملك الجليل الكبير العالم العادل الغازي المجاهد الهمام الأوحد المظفر المنصور عز الإسلام، من نوع ألقاب ملك التكرور، يعني شرف ملوك الأنام ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين، جمال الملوك والسلاطين ظهير الإمام عضد أمير المؤمنين الملك فلان، ويدعى له بما يناسبه، وبعد إهداء السلام والتشويق هذه المفاوضة تبدي، على ما سيأتي ذكره في مكاتبته.
وهذا صدر يليق به: ولا زالت همم سلطانه غير مقصرة، ووفود حجه غير محصرة، وسيفه في سواد من جاوره من أعدائه الكفار، يقول: وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة. صدرت ولها مثل مسكة أفقه عبق، وعنبرة طينته سواد إلا أنه من السواد اليقق، وشيبية ملكه الذي يفديه سواد الحدق، أوجبها ود أسكنه مسكنه من سويداء القلب لا يريم، وأراه غرة الصباح الوضاح تحت طرة الليل البهيم. وحكى ذلك عنه في التثقيف ولم يزد عليه. ورأيت في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله أن مكاتبته في قطع الثلث والعلامة أخوه وتعريفه صاحب برنو.
قلت: ووصل من هذا الملك كتاب في الدولة الظاهرية برقوق يتشكى فيه من عرب جذام المجاورين له، ويذكر أنهم أخذوا جماعة من أقاربه باعوهم في الأقطار، وسأل الكشف عن خبرهم، والمنع من بيعهم بمصر والشام وأرسل هدية صالحة من زئبق وغيره. وكتب جوابه بخط زين الدين طاهر، أحد كتاب الدست، صدره: أعز الله تعالى جانب الجناب الكريم العالي الملك الجليل العالم العادل الغازي المجاهد الهمام الأوحد المظفر المنصور المتوكل، فخر الدين أبي عمرو عثمان بن إدريس عز الإسلام شرف ملوك الأنام، ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين، جمال الملوك والسلاطين سيف الجلالة ظهير الإمامة.
وبعث إليه به مع رسوله الوارد صحبة الحجيج فأعيد وقد كتب الجواب على ظهره بعد سنة أو سنتين.
الثالث: ملك الكانم. قال في مسالك الأبصار: وقاعدة الملك منها بلدة اسمها جيمي ومبدأ مملكته من جهة مصر بلدة اسمها زلا وآخرها طولاً بلدة يقال لها كاكا وبينهما نحو ثلاثة أشهر. قال: وعسكرهم يتلثمون وملوكهم على حقارة سلطانه، وسواء بقعة مكانه، في غاية لا تدرك من الكبرياء، يمسح برأسه عنان السماء مع ضعف أجناد وقلة متحصل بلاد محجوب لا يراه أحد إلا في يوم العيدين بكرة وعند العصر وفي سائر السنة لا يكلمه أحد ولو كان أميراً إلا من وراء حجاب.
وقال في التعريف ملوكها من بيت قديم في الإسلام وجاء منهم من ادعى النسب العلوي في بني الحسن وهو يتمذهب بمذهب الشافعي ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف كرسم مكاتبة صاحب البرنو بدون الكريم، وتبعه على ذلك في التثقيف ناقلاً له عنه. ثم قال: ولم أطلع على مكاتبة له غير الذي قد ذكره.
الرابع ملك مالي: قال في مسالك الأبصار وهي في نهاية الغرب متصلة ببحر المحيط وقاعدة الملك بها بنبي وهي أعظم ممالك السودان وقد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك ذكر أحوالها، وما تيسر من ذكر ملوكها، وإن مالي اسم للإقليم والتكرور مدينة من مدنه، وكان ملكها في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون، منسا موسى ومعنى منسا السلطان.
وقد ذكر فيه مسالك الأبصار أنه وصل منه كتاب عن نفسه لنفسه فيه ناموساً وإنه وصل إلى الديار المصرية حاجاً، واجتمع بالسلطان الملك الناصر، فقام له وتلقاه وأكرمه وأحسن نزله على ما هو مبسوط في موضعه.
قال في التعريف: وملك التكرور هذا يدعي نسباً إلى عبد الله بن صالح بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكر في التعريف: أدام الله تعالى نصر المقر العالي السلطان الجليل الكبير العالم العادل المجاهد الؤيد الأوحد عز الإسلام شرف ملوك الأنام ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين، جمال الملوك والسلاطين سيف الجلالة ظهير الإمامة عضد أمير المؤمنين الملك فلان. ويدعي له بما يناسب وبعد إهداء السلام والتشوق هذه المفاوضة تبدي.
قال: ولا يعرض له ولا يقر بشيء من الألقاب الدالة على النسب العلوي وهذا صدر لهذه المكاتبة ذكره في التعريف: ويسر له القيام بفرضه، وأحسن له المعاملة في قرضه، وكثر سواده الأعظم وجعلهم بيض الوجوه يوم عرضه، ومتعه بملك يجد الحديد سجف سمائه والذهب نبات أرضه. صدرت هذه المفاوضة وصدرها به مملو، وشكرها عليه يحلو، ومزايا حبه في القلوب سر كل فؤاد، وسبب ما حلي به الطرف والقلب من السواد، تنزل به سفنها المسيرة في البحر وترسى، وتحل عند ملك ينقص به زائده، وينسى موسى منسى، وتقيم عليه الدهر لا يطرقه فيما ينوب، والفكر لا يشوقه إلا إذا هبت صبا من أرضه أو جنوب.
والمتداول بين جماعة كتاب الإنشاء أن المكاتبة إليه: أعز الله تعالى جانب الجناب الكريم العالي الملك الجليل العالم العادل المجاهد المؤيد المرابط المثاغر العابد الناسك الأوحد فلان، ذخر الإسلام والمسلمين نصرة الغزاة والمجاهدين، عون جيوش الموحدين، ركن الأمة عماد الملة جمال الملوك والسلاطين، ولي أمير المؤمنين والدعاء.
وذكر نحو ذلك في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله ثم قال: ويقال: صدرت هذه المكاتبة إلى الجانب العالي مملوءة الصدر بشكره، باسمة الثغر برفعة قدره، موضحة لعلمه الكريم كيت وكيت، وذكر أن خطابه بالجناب الكريم، والطلب والقصد والختم بالإحاطة وذكر هو وصاحب التثقيف أن المكاتبة إليه في قطع الثلث، والعلامة أخوه وتعريفه صاحب مالي وغانة.
الجملة الثالثة في المكاتبة إلى ملوك المسلمين بالحبشة:
قد تقدم في المقالة الثانية في كلام المسالك والممالك أن ببلاد الحبشة سبعة ملوك مسلمين، لهم سبع ممالك، كل مملكة منفردة بملك، وبها الجوامع والمساجد ينادى فيها بالأذان، وتقام بها الجمع والجماعات، وهم مع ذلك تحت أمر صاحب أمحرا ملك الحبشة يختار لولاية ممالكهم من شاء توليته ولا يردون ويصدرون إلا عن أمره، وهي مملكة أوفات والزيلع، مملكة دوارو، ومملكة أرابيني ومملكة هدية، ومملكة شرحا، ومملكة بالي ومملكة دارة.
وقد تقدم الكلام عليها وعلى أحوالها مستوفى عند الكلام عليها في المقالة الثانية. قال في ذلك مسالك الأبصار: وهذه الممالك تجاور ناصع، وسواكن، ودهلك، وليس بها مملكة مشهورة.
قال في التعريف: ولم يرد من هذه الملوك السبعة كتاب، ولا صدر إليهم خطاب. قال: فإن ورد منهم شيء فتجري مكاتبتهم مثل مكاتبة صاحب الكانم والبرنو. وقد تقدم أن رسم المكاتبة إليهما على ما ذكره في التعريف: أعز الله تعالى نصرة الجانب الكريم، وأعز الله تعالى جانب الجانب الكريم. على ما كتب به القاضي زين الدين طاهر في جواب صاحب البرنو على ما هو مذكور في موضعه.